كيف تكون كاتب قصة صحفية؟
كيف تكون كاتب قصة صحفية؟
هل سألت نفسك يومًا عن احتمالية اجتماع الأدب والصحافة في قالب واحد؟ كيف ذلك؟! الأدب كلام عاطفي يخاطب الوجدان ويمنحه اللذة الموسيقية بالكلمات، بينما الصحافة لغة تقريرية وظيفية لا يهمها وجدان القارئ ولا عاطفته، طالما أن عقله يتغذى جيدًا على المعلومات، فأين اللقاء؟
في الحقيقة لا يتفق هذا مع رواية التاريخ على الإطلاق؛ إذ قامت الصحافة في بدايتها بالأصل على أكتاف الأدباء حتى الحرب العالمية الثانية، حتى التفتت الجامعات الحديثة إلى أهمية تخصيصها بالتدريب والدراسة، ومن هنا حدث الانفصال بين الأدب والصحافة، حتى جاءت القصة الصحفية فوحدتهما من جديد.
فتأتي بوجه الصحافة وهي تعبر عن المعلومة وتمنح المعرفة، وتأتي بوجه الأدب وهي تطوف حول الخبر وتبحث عما وراءه أكثر مما تتناوله هو. فالخبر الصحفي هو أن فلانًا فاز بمنصب الرئيس المنتخب الجديد، بينما القصة الصحفية هي كيف وصل هذا الرجل إلى هذا المنصب، وما الذي قد ينتج عن ذلك؟
لذا إن كنت محبًا للكتابة والأدب، ولكنك في الوقت ذاته تهتم بالفكر والسياسة والاقتصاد وترى في نفسك الأهلية للكتابة فيهم، فالقصة الصحفية ستكون وسيلتك السريعة للتعبير عما يدور في خاطرك، لكن ذلك سيتطلب منك نوعًا مختلفًا من التفكير والتعامل مع الأخبار والأفكار والأحداث.
فيجب أن تختار منها الثري بالأبعاد والتفاصيل القابلة لصناعة القصة، فمثلًا لو أردت تناول ظاهرة التعليم في بلد ما، فتّش عن أشخاص قاموا بثورة تعليمية في هذا البلد وعن آثار هذه الثورة وما كان عليه الوضع قبلها.
ثم صغ من هذه التفاصيل المتناثرة قصة صعود درامية في هيئة معلوماتية، تجعل المعلومة وكأنها شخصية من بين شخصيات قصتك. وكما أن رأس مال الروائي الشخصيات، فرأس مال الصحفي القاصّ المعلومات، فكل معلومة بمثابة شخصية في قصتك، فاحرص على توفير الزخم الكافي منها.
واعلم أن واحدة من أهم مراحل الكتابة هنا هي التفكير مليًا في شريحة القرّاء ومعرفتها بشكل واضح قبل الشروع في خطابها. فعند الحديث عن أي فكرة أو ظاهرة فأنت دائمًا أمام أحد جمهورين: جمهور يعرف ما تتحدث عنه وجمهور لا يعرف عنه شيئًا، وحتى من يعرفون فهم درجات في معرفتهم، فيجب أن تحدد الشريحة المستهدفة والقدر المعرفي لديها؛ حتى تكتب وفقًا لذلك.
فلا يصح أن تستهدف جمهورًا تكون أنت مصدر معرفته الأول عن الموضوع ثم تختصر اختصارات مخلةً تخرج خارج النص، والعكس: لا ينبغي أن يكون جمهورك المستهدف جمهورًا يعرف ما تتكلم فيه وتكثر من الاسترسال في بعض المواضع بما لا يحتاجه القارئ ويمكن تجاوزه.
وهذا أيضًا ينطبق على لغة القصة الصحفية، فإن كانت تُنشَر في منصة متخصصة فواجب عليك استخدام المصطلحات والمفردات العلمية المتخصصة، لكن إن كانت المنصة عامة فأنت في أمس الحاجة للبعد عن التخصيص والغموض والاقتراب من التبسيط والشرح والتوضيح.
وهذا ما يجب أن تعيه بشكل مبدأي قبل البدء في الكتابة، أما الكتابة نفسها فلها قصة أخرى.